هل يجوز البناء على القبور

نعم يجوز ذلك و اليك الادلة:


فصل في جواز الدفن في البناء
اما الدفن في البناء فلا شبهة في جوازه كما نص عليه الفقهاء الا ان الامام احمد بن حنبل رحمه الله تعالى راي مع الجواز ان الدفن في مقابر المسلمين اولى مراعاة لعمل اكثر الناس , وراى ان دفن النبي صلى الله عليه وسلم في البناء لاجل التمييز اللائق بمقامه الارفع صلى الله عليه و سلم , و هذا لا يخفى ما فيه لانه تخصيص بدون مخصص .
فقد روي عن سيدنا ابي بكر الصديق رضي الله عنه بلفظ ( ما مات نبي الا دفن حيث يقبض ) و في لفظ ( ما توفى الله نبيا قط الا دفن حيث تقبض روحه ) رواهما ابن سعد غيره وهو صريح في عدم تخصص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك , وقد اتفق الصحابة على دفن ابي بكر و عمر رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم فم يبق بعد هذا وجه لما قاله الامام احمد رحمه الله .
الادلة في ذلك :
الاول : قول الله تعالى في قصة اصحاب الكهف ( قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) و الذين غلبوا على امرهم هم المؤمنون على الصحيح , لان المسجد انما يبنيه المؤمنون , و اما الكافرون فقالوا ابنوا عليه بنيانا , و جه الدلالة من الاية اقرار الله تعالى اياهم على ما قالوا .
اعتراض :
فان قيل فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم ان قال ( قاتل الله اليهود و النصارى اتحذوا قبور انبيائهم مساجد لا يبقى دينان بارض العرب ) و صح عنه صلى الله عليه و سلم ان قال لام سلمة رضي الله عنها حين ذكرت له كنيسة راتها بارض الحبشة و ما رات فيها من الصور ( اولئك قوم اذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا و صوروا فيه تلك الصور اولئك شرار الخلق عند الله )
الجواب :
1- ان الله تعالى حكي ذلك عن المؤمنين و النبي صلى الله عليه وسلم حكاه عن اليهود و النصارى و فرق بين حال الفريقين , فان المؤمنين فعلوا ذلك للتبرك باثار الصالحين و اليهود و النصارى يفقلون ذلك للعبادة و الاشراك مع الله تعالى .
2- وهو انه لو كان كل من بني على القبر مسجدا و لو للتبرك و الزيارة ملعونا كما في الحديث لكان هؤلاء المؤمنون الذين حكى الله عنهم ملعونين ايضا , ولو كانوا كذلك لما سكت الله تعالى عن ذمهم و لعنهم , فدل عدم ذلك على ان ما فعله هؤلاء القوم هو غير ما يفعله اليهود و النصارى و ان فعلهم جائز لا شبهة فيه .
3- ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذين يتخذون القبور مساجد ( اولئك شرار الخلق ) و ثبت بالكتاب و السنة المتواترة ان امته خير امة اخرجت للناس و انهم شهداء على الناس و انهم لا يجتمعون على ضلالة , و ا من لم يتبع سبيلهم فهو من اهل النار ( و من يتبع غير سبيل المؤمنين ) وقد علم الله تعالى في سابق علمه ان هذه الامة ستتفق و تجتمع على بناء المسجد على قبر نبيها اشرف الانبياء و المرسلين و كما علم ذلك صلى الله عليه وسلم باعلام الله تعالى اياه و اشار اليه , فيلزم من هذا التناقض بين خبر الله تعالى و خبر الرسول , ان تكون هذه الامة خير امة اخرجت للناس و شر امة اخرجت للناس تتفق على فعل المنكر و تبني على قبر نبيها المسجد و كذلك على قبور الاولياء و الصالحين , و تكون امة مرحومة و امة ملعونة باتخاذها المسجد على قبر نبيها و ان الامة لا تجتمع على ضلالة حتى يكون اجماعها على امر حجة و دليلا شرعيا كالكتاب والسنة .
الدليل الثاني :
ان النبي صلى الله عليه وسلم امر ان يدفن في البناء فقال ( ما قبر نبي الا حيث يموت ) و لذلك اجمع الصحابة بعد ان حدثهم الصديق بهذا الحديث على دفنه صلى الله عليه وسلم في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها وهو دليل صريح على وجود البناء حول القبر .
الدليل الثالث :
ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر بان قبره الشريف سيكون داخل مسجده و زاد فاخبر بان ما بين قبره و منبره روضة و هذا منه اشارة الى استحباب ادخال قبره الشريف في المسجد لانه ترغيب بدعو الى ذلك , اذ المراد فضيلة الصلاة ما بين القبر و المنبر و اذا لم يكن القبر الشريف داخل المسجد لا يتصور الصلاة بين القبر و المنبر لان البيت و سروه حاجز بين القبر و المنبر و مانع من الصلاة في موضعه فلا يقول ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة .
الدليل الرابع :
اجماع الصحابة على دفنه صلى الله عليه وسلم ثم اجماع التابعين و من بعدهم اجمعت الامة على ادخال بيته المشتمل على قبره داخل المسجد , ولو كان ذلك منهيا عنه لاستحال ان تتفق الامة في عصر التابعين على المنكر و الاجتماع على الضلالة .
الدليل الخامس :
ان الصحابة بنوا مسجدا على القبر في حياته صلى الله عليه وسلم .
ما ذكره ابن عبد البر في الاستعاب في ترجمة ابي بصير ان ابوجندل بنى على قبره مسجد . ( ساذكر الترجمة اخر البحث )
الدليل السادس :
ان قبور الشهداء و الصحابة كانت مرتفعة كما في صحيح البخاري عن خارجة بن زيد قال رايتني و نحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه ان اشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه , فدل على عظم ارتفاعه و تباعد جانبيه و ذلك لا يمكن بالتراب وحده ولا بالصخرة وحدها .
احاديث النهي الدالة على المنع :
1- حديث سيدنا علي رضي الله عنه و قوله لابي الهياج ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تدع تمثالا الا طمسته ولا قبر مشرفا الا سويته )
االجواب :
أ‌- انه مخالف للسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و الصحابة بعده من رفع القبور و تسنيمها و مخالف لقبر الرسول الكريم و صاحبيه , فلا بد من احد امرين : اما ان يكون غير ثابت في نفسه او محمول على غير ظاهره .
ب‌- انه خبر متروك الظاهر بالاتفاق لان الائمة استحبوا رفع القبر قدر شبر .
ت‌- وهو الصحيح عندنا انه اراد قبور المشركين التي كانوا يقدسونها في الجاهلية .
ث‌- وكما ان الامام علي رضي الله عنه وهو في خلافته لم يقم بتسوية القبور لما وافق على رفع قبر النبي صلى الله عليه وسلم و قبر صاحبيه .
هذا ملخص من كتاب احياء المقبور من ادلة استحباب بناء المساجد و القباب على القبور .
لفضيلة السيد احمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى

ترجة ابي بصير من كتاب الاستعاب لابن عبدالبر رحمه الله تعالى

(1864) ــــ أبو بصير اختلف في اسمه ونسبه، فقيل: عبيد بن جارية، وذكر خليفة عن أبي معشر، قال اسمه: عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد بن عبد الله بن سلمة بن عبد الله بن غيرة بن عوف بن قيس وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن حليف لبني زهرة، وقال ابن إسحاق: أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية. قال ابن شهاب هو رجل من قريش، وقال ابن هشام هو ثقفي وأظن أن ابن شهاب نسبه إلى حلفه في بني زهرة وله قصة في المغازي عجيبة ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد رواها معمر، عن ابن شهاب (ذكر عبد الرزاق)، عن معمر، عن ابن شهاب في قصة القضية عام الحديبية قال: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلت قريش في طلبه رجلين فقالا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلماً فدفعه النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الرجلين فخرجا حتى بلغا به ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيداً يا فلان فاستلّه الآخر وقال: أجل، والله إنه لجيد لقد جرّبت به ثم جربت، فقال له أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعراً فلمّا انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ، قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا رسول الله قد والله وفت ذمتك قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «ويل أمه مسعر حرب ــــ لو كان معه أحد» فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير وجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلاّ لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلاّ اعترضوا لهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلّم تناشده الله والرحم إلاّ أرسل إليهم فمن أتاك منهم فهو آمن. وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم الألفاظ وأكمل سياقه قال: وكان أبو بصير يصلّي لأصحابه وكان يكثر من قول: الله العلي الأكبر من ينصر الله فسوف ينصره فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمهم واجتمع إلى أبي جندل حين سمع بقدومه ناس من بني غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب حتى بلغوا ثلاثمائة وهم مسلمون فأقاموا مع أبي جندل وأبي بصير لا يمر بهم عير لقريش إلاّ أخذوها وقتلوا أصحابها، وذكر مرور أبي العاص بن الربيع بهم وقصته قال: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين أن يلحقوا ببلادهم وأهليهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أبي جندل وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه وصلّى عليه وبنى على قبره مسجداً. وذكر ابن إسحاق هذا الخبر بهذا المعنى وبعضهم يزيد فيه على بعض، والمعنى متقارب إن شاء الله تعالى.