بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
احكام النذور ( اذا نذر انسان ان يفعل شي او يترك شي فما يترتب عليه )
صفحة 1 من اصل 1
احكام النذور ( اذا نذر انسان ان يفعل شي او يترك شي فما يترتب عليه )
من كتاب الفقه المنهجي ( مع بعض التصرف )
النُّـذُور
تعريف النذور :
النذور : جمع نذر، والنذر في اللغة : الوعد بخير أو شر.
وشرعاً : الوعد بخير خاصة.
والنذر في اصطلاح الفقهاء : التزام قُرْبة غير واجبة في الشرع، مطلقاً، أو معلقاً على شيء.
أدلة تشريع النذر :
يدلّ على مشروعية النذر، ولزوم الوفاء به :
القرآن والسُنّة.
أما القرآن، فقول الله عزّ وجلّ في صفات الأبرار : [ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً] ( الدهر : 7).
وقوله تبارك وتعالى : [ وليوفوا نذورهم ] (الحج :29).
وأما السُنّة فقوله ، فيما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي : " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يَعْصِيه".
وقوله في الذين لا يوفّون بنذورهم : " إن بعدَكم قوماً يخونون ولا يُؤتمنون، ويَشهدون ولا يُستشهدون، ويَنذُرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السِّمنُ". رواه البخاري [ يظهر فيهم السمن : أي بسبب كثرة المآكل مع الخلود إلى الراحة، وترك الجهاد، وقيل: هو كناية عن التفاخر بمتاع الدنيا].
حكم النذر :
إن النذر مشروع، وهو من نوع القربات، ولذلك قال الفقهاء : إنه لا يصحّ من الكافر.
إلا أن الأفضل أن يباشر الإنسان القربة التي يريدها بدون أن يلزم نفسه بها ، ويجعلها عليه نذراً.
فالصدقة التي يتقرّب بها الإنسان إلى الله تعالى اختياراً، أفضل من الصدقة التي يلتزمها نذراً.
ودليل ذلك ما رواه البخاري في نهى عن النذر، وقال: " إنه لا يردُّ شيئاً ، وإنما يُستخرج به من النخيل ".
أي إن النذور المعلّقة لا تغيِّر من قضاء الله شيئاً ، وهو ليس إلا وسيلة يلزم بها البخيل نفسه بالإنفاق والصدقة، لعلمه أنها لو لم تصبح واجبة عليه بالنذر والالتزام، فإنه لن يستطيع أن يتغلب على نفسه في إخراجها.
أنواع النذر :
ينقسم النذر إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول : نذر اللَّجاج :
وهو ما يقع حال الخصومة ، بسائق من الغضب، كأن يقول أثناء خصومته : إن كلمتُ فلاناً، فلله عَلَيَّ صيام شهر.
النوع الثاني : نذر المجازاة: أي المكافأة :
وهو أن يعلّق التزامه بقربةٍ ما على حصول غرض للناذر، دون أن يكون مدفوعاً إلى ذلك بخصومة، أو لجاج، وذلك كأن يقول : إن شفي الله مريضي، فلله عليّ أن أتصدق بشاة.
النوع الثالث : النذر المطلق :
وهو أن يلتزم قربةً ما لله تعالى دون تعليق على حصول غرض له، ودون دافع خصومة، أو غضب، كأن يقول: لله عليّ صيام يوم الخميس.
ويسمى كلٍّ من النوعين: الثاني والثالث، نذر التبرّر، وسمي بذلك، لأن الناذر طلب به البِرّ، والتقرّب إلى الله تعالى.
أحكام كل نوع من أنواع النذر :
أما النوع الأول : وهو نذر اللجاج، فحكمه أن المعلّق عليه إذا وقع وجب على الناذر إنجاز ما التزمه، أو إخراج كفّارة يمين، يختار واحداً منهما، لأن هذا النوع يشبه النذر من جانب كونه التزاماً ، ويشبه اليمين من جانب كونه وسيلة امتناع عن أمر.
ودليل ذلك ما رواه مسلم في عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله قال : " كفارةُ النذرِ كفارةُ اليمينِ ".
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : حمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج.
أما النوع الثاني : وهو نذر المجازاة، فحكمه أن المعلق عليه إذا وقع ؛ كأن شفى الله مريضه، أو قَدِم غائبه، وجَبَ على الناذر إنجاز ما قد التزمه، لا يغنيه عن ذلك شيء.
ودليل ذلك قول الله عزّ وجلّ : [وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ] ( النحل : 91). وقول النبي : " من نذر أن يطيع الله فليُطِعه". رواه البخاري .
وأما النوع الثالث: وهو النذر المطلق، وهو القسم الثاني من نذر التبرّر، فحكمه أنه يجب على الناذر تحقيق ما التزمه مطلقاً، أي دون أيّ تعليق على شيء.
ودليل ذلك عموم الأدلة المتقدمة، إلا أن له أن يتأخَّر في الوفاء به ما لم يصل إلى زمن يغلب فيه على ظنه أنه لن يتمكن من الوفاء.
وليس له أن يستبدل به كفّارة يمين، لأن معنى اليمين مفقودة في هذا النوع من النذور.
شروط النذر :
للنذر شروط من حيث هو نذر: أي بقطع النظر عن أنواعه الثلاثة.
وتتلخص هذه الشروط فيما يلي:
أولاً :من حيث الناذر : ويشترط فيه ثلاثة شروط:
1- الإسلام :
فلا يصحّ النذر من كافر، لأن الكافر ليس أهلاً لاكتساب القربات، إذ لا تصح منه ما دام كافراً.
2- التكليف :
فلا يصح النذر من الصبي والمجنون، لأن كلاً منهما ليس أهلاً للالتزام، فمهما ألزم كل واحد منهما نفسه بقربة، أو أوجبها على نفسه، فإنها لا تصبح بذلك واجبة عليه، لأنه ليس أهلاً لذلك، لكونه غير مكلف شرعاً.
3- الاختيار :
فلا يصحّ النذر من المُكرَه، لقوله : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه " رواه ابن ماجه وصحّحه ابن حبّان والحاكم ، عن ابن عباس .
أي وضع عنهم حكم ذلك ، وما ينتج عنه.
ثانياً :
من حيث المنذور : ويشترط فيه الشرطان التاليان :
1- أن يكون المنذور قربه :
فلا نذر في المباحات، وهي الأمور التي لا يترتب على فعلها أو تركها ثواب أو عقاب، فلو نذر فعل مُباح، أو تركه: كأكل ، ونوم لم يلزمه الفعل، ولا الترك، وليس عليه شيء.
ودليل ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما النبي يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا :أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي :" مره فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد، وليتمّ صومه".
وإنما أمره بإتمام الصوم، لأن الصوم طاعة، ويلزمه الوفاء بها إذا نذرها.
وكذلك لا نذر في المحرمات: كالقتل ، والزنى...
ولا في المكروهات : كأن نذر أن يترك السُنن الرواتب مثلاً، لأن فعل المحرم، أو المكروه ليس مما يبتغي به وجه الله عزّ وجلّ.
قال رسول الله :" لا نذر في معصية الله ". رواه مسلم وقد سبق ما رواه عن عائشة رضي الله عنها: " … ومن نذر أن يَعصِيَه ، فلا يعصِهْ".
وقال عليه الصلاة والسلام :" لا نذر إلا فيما ابُتغِيَ به وجه الله ". رواه أبو داود
2- أن لا يكون المنذور من الواجبات العينية ابتداءاً:
فلو نذر أن يصلي صلاة الظهر، أو أن يُخرج زكاة ماله، كان ذلك النذر باطلاً، إذ ليس له من أثر جديد على المنذور، لكونه واجباً في حق الناذر ابتداءاً دون حاجة إلى النذر، فلا معنى لإيجابه.
وخرج بالواجبات العينية الواجبات الكفائية، فيجوز النذر بها، كما لو نذر الصلاة على جنازة، أو تعَلُّمَ علمٍ مما يجب على المسلمين تعلّمه على سبيل الكفاية كالطب، والصناعات.
ذلك لأن النذر يُخرِج هذا المنذور من مستوى الفرض الكفائي، إلى الفرض العيني، في حق الناذر.
الآثار المترتبة على النذر الصحيح :
إذا صحّ النذر: بأن توفرت فيه الشرائط التي ذكرناها، وجب على الناذر تحقيق ما التزم به ، عند حصول الشيء المعلّق به في النذر المعلّق، ومطلقاً، في النذر الناجز، أي المطلق.
ويجب عليه من ذلك ما يقع عليه الاسم شرعاً، سواء كان المنذور صلاة، أو صياماً، أو صدقة، أو غير ذلك.
فلو نذر صلاة، ولم يقيدها بكيفية، أو عدد وجب عليه ركعتان من قيام إذا كان قادراً على القيام، وذلك حملاً على أقل واجب الشرع.
أما لو نذر عدداً من الركعات، أو نذر الصلاة من قعود وجب عليه التزام القدر الذي حدّده، والكيفية التي حدّدها، لكن لو صلاها من قيام كان أفضل.
ولو نذر صوماً مطلقاً، فأقل ما يقع عليه الاسم من ذلك صوم يوم واحد.
أما إن نذر صوم أيام دون تحديد لعدد هذه الأيام، فأقل ما يجب عليه الصوم ثلاثة أيام، لأنها أقل الجمع.
ولو نذر صدقة، وجب عليه أن يتصدق بأقل مُتَمَوِّل من ممتلكاته، على مَن هو أهل للزكاة، كالفقراء، والمساكين.
أما إن قيّد القربة التي التزمها بحال معينة، أو زمن معين، أو عدد معين، فالأصل عندئذٍ وجوب ما قد التزمه، على الكيفية والحال التي نصّ عليها.
فإن نذر التصدّق على أهل بلد معينة، وجب عليه التصدّق عليهم بأعيانهم، ولم يَجُزْ له صرف صدقته إلى أهل بلدة أخرى.
أو نذر الاعتكاف في مسجد معين ، فإن كان أحد المساجد الثلاثة : المسجد الحرام، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وجب عليه الاعتكاف في المسجد الذي عيّنه منها، وذلك لفضيلة هذه المساجد على غيرها.
ودليل فضيلتها على غيرها قول النبي " لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجد الرسول ، ومسجد الأقصى " . أخرجه البخاري ومسلم
وإن عيّن في نذره مسجداً غير هذه المساجد الثلاثة، وجب عليه أن يعتكف في أيّ المساجد شاء، لأن أجر الاعتكاف لا يختلف بين بلدة وأخرى، أو مسجد وآخر.
وإن نذر حجاً، أو عمرة، لزمه أن يفعل ذلك بنفسه، إن كان قادراً على ذلك بنفسه، فإن كان عاجزاً عن الحج أو العمرة بنفسه استناب من يحج عنه، أو يعتمر، ولو بأجرة، كما يجب عليه ذلك في حجة الفريضة إذا عجز عن أدائها بنفسه، استناب من يحج عنه.
ويندب تعجيله بالوفاء بما نذره، في أول فرصة تسنح له، مبادرة إلى براءة ذمته.
فإن تمكن من الحج أو العمرة فأخّر أداءها فمات حُجَّ عنه أو اعتمر من ماله ، لتقصيره بعد حصول التمكّن.
أما إذا مات قبل التمكّن من الحج أو العمرة فلا شيء عليه، لعدم تقصيره حينئذٍ.
وإن نذر أن يحج، أو يعتمر ماشياً لزمه المشي إن كان قادراً على المشي، لأنه التزم جعل المشي وصفاً للعبادة ، فهو كما لو نذر أن يصوم متتابعاً.
أما إذا لم يكن قادراً على المشي، فإنه لا يلزمه المشي، بل يجوز له الركوب، لعجزه عن المشي.
عن عقبة بن عامر قال : نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله ، وأمرتني أن أستفتي لها النبي ، فاستفتيته ، فقال عليه الصلاة والسلام: " لتمشِ ، ولتركبْ".
أخرجه البخاري ومسلم
ولو نذر أن يهدي شيئاً من نَعَم: وهي الإبل والبقر والغنم والمَعِز، أو مالٍ إلى مكة لزمه حمله إليه، ولزمه التصدّق به على مَن بها من الفقراء والمساكين، سواء أكانوا من أهلها، أم من الوافدين إليها.
ولو نذر أن يذبح شاة في بلد غير مكة ويفرقها فيها، لزمه الذبح في تلك البلد، وتفريق لحمها على مساكينها، ما دام قد نوى الذبح والتفرقة فيها، لأن الذبح وسيلة إلى التفرقة المقصودة، فلما جعل مكان الذبح مكان التفرقة، اقتضى تعيين الذبح فيها تبعاً لتفريق لحمها فيها.
ولو نذر شمعاً، لتوقد في المشاهد التي بُنيت على قبور الصالحين والأولياء، فإن قصد الناذر بذلك التنوير على من يسكن هناك من الناس ، أو يتردد إليها صحّ نَذْره، ولزمه ذلك، وإن قصد به الإيقاد على القبر، ولو مع قصد التنوير على الناس، فلا يصح نذره.
وإن قصد به تعظيم البقعة، أو القبر، أو التقرّب إلى مَن دُفن فيها، أو نسبت إليه، فهذا نذر باطل غير منعقد.
النذر المطلق لا يتحدد بوقت :
إذا كان النذر مطلقاً عن تحديد الزمان، فإن وجوبه يكون من نوع الواجب الموسّع، أي فللناذر أن يتأخر في الوفاء بنذره ما دامت الفرصة سانحة له ، ولم يغلب على ظنه أن التراخي سيحول دون قدرته على الوفاء بالنذر.
إلا أن يسنّ تعجيل الوفاء بالنذر، وإن كانت الفرصة لا تزال سانحة ومتّسعة، وذلك مسارعة إلى براءة ذمته من النذر. أما إذا كان النذر مقيداً بزمن مخصوص، وجب التقيد بذلك الزمن، فإن أخّر الوفاء به عن ذلك الزمن بدون عذر أثم، ووجب عليه القضاء، وإن أخّر لعذر، لم يأثم، ووجب عليه القضاء أيضاً في أيّ فرصة ممكنة.
والله تعالى اعلم.
النُّـذُور
تعريف النذور :
النذور : جمع نذر، والنذر في اللغة : الوعد بخير أو شر.
وشرعاً : الوعد بخير خاصة.
والنذر في اصطلاح الفقهاء : التزام قُرْبة غير واجبة في الشرع، مطلقاً، أو معلقاً على شيء.
أدلة تشريع النذر :
يدلّ على مشروعية النذر، ولزوم الوفاء به :
القرآن والسُنّة.
أما القرآن، فقول الله عزّ وجلّ في صفات الأبرار : [ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً] ( الدهر : 7).
وقوله تبارك وتعالى : [ وليوفوا نذورهم ] (الحج :29).
وأما السُنّة فقوله ، فيما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي : " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يَعْصِيه".
وقوله في الذين لا يوفّون بنذورهم : " إن بعدَكم قوماً يخونون ولا يُؤتمنون، ويَشهدون ولا يُستشهدون، ويَنذُرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السِّمنُ". رواه البخاري [ يظهر فيهم السمن : أي بسبب كثرة المآكل مع الخلود إلى الراحة، وترك الجهاد، وقيل: هو كناية عن التفاخر بمتاع الدنيا].
حكم النذر :
إن النذر مشروع، وهو من نوع القربات، ولذلك قال الفقهاء : إنه لا يصحّ من الكافر.
إلا أن الأفضل أن يباشر الإنسان القربة التي يريدها بدون أن يلزم نفسه بها ، ويجعلها عليه نذراً.
فالصدقة التي يتقرّب بها الإنسان إلى الله تعالى اختياراً، أفضل من الصدقة التي يلتزمها نذراً.
ودليل ذلك ما رواه البخاري في نهى عن النذر، وقال: " إنه لا يردُّ شيئاً ، وإنما يُستخرج به من النخيل ".
أي إن النذور المعلّقة لا تغيِّر من قضاء الله شيئاً ، وهو ليس إلا وسيلة يلزم بها البخيل نفسه بالإنفاق والصدقة، لعلمه أنها لو لم تصبح واجبة عليه بالنذر والالتزام، فإنه لن يستطيع أن يتغلب على نفسه في إخراجها.
أنواع النذر :
ينقسم النذر إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول : نذر اللَّجاج :
وهو ما يقع حال الخصومة ، بسائق من الغضب، كأن يقول أثناء خصومته : إن كلمتُ فلاناً، فلله عَلَيَّ صيام شهر.
النوع الثاني : نذر المجازاة: أي المكافأة :
وهو أن يعلّق التزامه بقربةٍ ما على حصول غرض للناذر، دون أن يكون مدفوعاً إلى ذلك بخصومة، أو لجاج، وذلك كأن يقول : إن شفي الله مريضي، فلله عليّ أن أتصدق بشاة.
النوع الثالث : النذر المطلق :
وهو أن يلتزم قربةً ما لله تعالى دون تعليق على حصول غرض له، ودون دافع خصومة، أو غضب، كأن يقول: لله عليّ صيام يوم الخميس.
ويسمى كلٍّ من النوعين: الثاني والثالث، نذر التبرّر، وسمي بذلك، لأن الناذر طلب به البِرّ، والتقرّب إلى الله تعالى.
أحكام كل نوع من أنواع النذر :
أما النوع الأول : وهو نذر اللجاج، فحكمه أن المعلّق عليه إذا وقع وجب على الناذر إنجاز ما التزمه، أو إخراج كفّارة يمين، يختار واحداً منهما، لأن هذا النوع يشبه النذر من جانب كونه التزاماً ، ويشبه اليمين من جانب كونه وسيلة امتناع عن أمر.
ودليل ذلك ما رواه مسلم في عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله قال : " كفارةُ النذرِ كفارةُ اليمينِ ".
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : حمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج.
أما النوع الثاني : وهو نذر المجازاة، فحكمه أن المعلق عليه إذا وقع ؛ كأن شفى الله مريضه، أو قَدِم غائبه، وجَبَ على الناذر إنجاز ما قد التزمه، لا يغنيه عن ذلك شيء.
ودليل ذلك قول الله عزّ وجلّ : [وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ] ( النحل : 91). وقول النبي : " من نذر أن يطيع الله فليُطِعه". رواه البخاري .
وأما النوع الثالث: وهو النذر المطلق، وهو القسم الثاني من نذر التبرّر، فحكمه أنه يجب على الناذر تحقيق ما التزمه مطلقاً، أي دون أيّ تعليق على شيء.
ودليل ذلك عموم الأدلة المتقدمة، إلا أن له أن يتأخَّر في الوفاء به ما لم يصل إلى زمن يغلب فيه على ظنه أنه لن يتمكن من الوفاء.
وليس له أن يستبدل به كفّارة يمين، لأن معنى اليمين مفقودة في هذا النوع من النذور.
شروط النذر :
للنذر شروط من حيث هو نذر: أي بقطع النظر عن أنواعه الثلاثة.
وتتلخص هذه الشروط فيما يلي:
أولاً :من حيث الناذر : ويشترط فيه ثلاثة شروط:
1- الإسلام :
فلا يصحّ النذر من كافر، لأن الكافر ليس أهلاً لاكتساب القربات، إذ لا تصح منه ما دام كافراً.
2- التكليف :
فلا يصح النذر من الصبي والمجنون، لأن كلاً منهما ليس أهلاً للالتزام، فمهما ألزم كل واحد منهما نفسه بقربة، أو أوجبها على نفسه، فإنها لا تصبح بذلك واجبة عليه، لأنه ليس أهلاً لذلك، لكونه غير مكلف شرعاً.
3- الاختيار :
فلا يصحّ النذر من المُكرَه، لقوله : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه " رواه ابن ماجه وصحّحه ابن حبّان والحاكم ، عن ابن عباس .
أي وضع عنهم حكم ذلك ، وما ينتج عنه.
ثانياً :
من حيث المنذور : ويشترط فيه الشرطان التاليان :
1- أن يكون المنذور قربه :
فلا نذر في المباحات، وهي الأمور التي لا يترتب على فعلها أو تركها ثواب أو عقاب، فلو نذر فعل مُباح، أو تركه: كأكل ، ونوم لم يلزمه الفعل، ولا الترك، وليس عليه شيء.
ودليل ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما النبي يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا :أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي :" مره فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد، وليتمّ صومه".
وإنما أمره بإتمام الصوم، لأن الصوم طاعة، ويلزمه الوفاء بها إذا نذرها.
وكذلك لا نذر في المحرمات: كالقتل ، والزنى...
ولا في المكروهات : كأن نذر أن يترك السُنن الرواتب مثلاً، لأن فعل المحرم، أو المكروه ليس مما يبتغي به وجه الله عزّ وجلّ.
قال رسول الله :" لا نذر في معصية الله ". رواه مسلم وقد سبق ما رواه عن عائشة رضي الله عنها: " … ومن نذر أن يَعصِيَه ، فلا يعصِهْ".
وقال عليه الصلاة والسلام :" لا نذر إلا فيما ابُتغِيَ به وجه الله ". رواه أبو داود
2- أن لا يكون المنذور من الواجبات العينية ابتداءاً:
فلو نذر أن يصلي صلاة الظهر، أو أن يُخرج زكاة ماله، كان ذلك النذر باطلاً، إذ ليس له من أثر جديد على المنذور، لكونه واجباً في حق الناذر ابتداءاً دون حاجة إلى النذر، فلا معنى لإيجابه.
وخرج بالواجبات العينية الواجبات الكفائية، فيجوز النذر بها، كما لو نذر الصلاة على جنازة، أو تعَلُّمَ علمٍ مما يجب على المسلمين تعلّمه على سبيل الكفاية كالطب، والصناعات.
ذلك لأن النذر يُخرِج هذا المنذور من مستوى الفرض الكفائي، إلى الفرض العيني، في حق الناذر.
الآثار المترتبة على النذر الصحيح :
إذا صحّ النذر: بأن توفرت فيه الشرائط التي ذكرناها، وجب على الناذر تحقيق ما التزم به ، عند حصول الشيء المعلّق به في النذر المعلّق، ومطلقاً، في النذر الناجز، أي المطلق.
ويجب عليه من ذلك ما يقع عليه الاسم شرعاً، سواء كان المنذور صلاة، أو صياماً، أو صدقة، أو غير ذلك.
فلو نذر صلاة، ولم يقيدها بكيفية، أو عدد وجب عليه ركعتان من قيام إذا كان قادراً على القيام، وذلك حملاً على أقل واجب الشرع.
أما لو نذر عدداً من الركعات، أو نذر الصلاة من قعود وجب عليه التزام القدر الذي حدّده، والكيفية التي حدّدها، لكن لو صلاها من قيام كان أفضل.
ولو نذر صوماً مطلقاً، فأقل ما يقع عليه الاسم من ذلك صوم يوم واحد.
أما إن نذر صوم أيام دون تحديد لعدد هذه الأيام، فأقل ما يجب عليه الصوم ثلاثة أيام، لأنها أقل الجمع.
ولو نذر صدقة، وجب عليه أن يتصدق بأقل مُتَمَوِّل من ممتلكاته، على مَن هو أهل للزكاة، كالفقراء، والمساكين.
أما إن قيّد القربة التي التزمها بحال معينة، أو زمن معين، أو عدد معين، فالأصل عندئذٍ وجوب ما قد التزمه، على الكيفية والحال التي نصّ عليها.
فإن نذر التصدّق على أهل بلد معينة، وجب عليه التصدّق عليهم بأعيانهم، ولم يَجُزْ له صرف صدقته إلى أهل بلدة أخرى.
أو نذر الاعتكاف في مسجد معين ، فإن كان أحد المساجد الثلاثة : المسجد الحرام، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وجب عليه الاعتكاف في المسجد الذي عيّنه منها، وذلك لفضيلة هذه المساجد على غيرها.
ودليل فضيلتها على غيرها قول النبي " لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجد الرسول ، ومسجد الأقصى " . أخرجه البخاري ومسلم
وإن عيّن في نذره مسجداً غير هذه المساجد الثلاثة، وجب عليه أن يعتكف في أيّ المساجد شاء، لأن أجر الاعتكاف لا يختلف بين بلدة وأخرى، أو مسجد وآخر.
وإن نذر حجاً، أو عمرة، لزمه أن يفعل ذلك بنفسه، إن كان قادراً على ذلك بنفسه، فإن كان عاجزاً عن الحج أو العمرة بنفسه استناب من يحج عنه، أو يعتمر، ولو بأجرة، كما يجب عليه ذلك في حجة الفريضة إذا عجز عن أدائها بنفسه، استناب من يحج عنه.
ويندب تعجيله بالوفاء بما نذره، في أول فرصة تسنح له، مبادرة إلى براءة ذمته.
فإن تمكن من الحج أو العمرة فأخّر أداءها فمات حُجَّ عنه أو اعتمر من ماله ، لتقصيره بعد حصول التمكّن.
أما إذا مات قبل التمكّن من الحج أو العمرة فلا شيء عليه، لعدم تقصيره حينئذٍ.
وإن نذر أن يحج، أو يعتمر ماشياً لزمه المشي إن كان قادراً على المشي، لأنه التزم جعل المشي وصفاً للعبادة ، فهو كما لو نذر أن يصوم متتابعاً.
أما إذا لم يكن قادراً على المشي، فإنه لا يلزمه المشي، بل يجوز له الركوب، لعجزه عن المشي.
عن عقبة بن عامر قال : نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله ، وأمرتني أن أستفتي لها النبي ، فاستفتيته ، فقال عليه الصلاة والسلام: " لتمشِ ، ولتركبْ".
أخرجه البخاري ومسلم
ولو نذر أن يهدي شيئاً من نَعَم: وهي الإبل والبقر والغنم والمَعِز، أو مالٍ إلى مكة لزمه حمله إليه، ولزمه التصدّق به على مَن بها من الفقراء والمساكين، سواء أكانوا من أهلها، أم من الوافدين إليها.
ولو نذر أن يذبح شاة في بلد غير مكة ويفرقها فيها، لزمه الذبح في تلك البلد، وتفريق لحمها على مساكينها، ما دام قد نوى الذبح والتفرقة فيها، لأن الذبح وسيلة إلى التفرقة المقصودة، فلما جعل مكان الذبح مكان التفرقة، اقتضى تعيين الذبح فيها تبعاً لتفريق لحمها فيها.
ولو نذر شمعاً، لتوقد في المشاهد التي بُنيت على قبور الصالحين والأولياء، فإن قصد الناذر بذلك التنوير على من يسكن هناك من الناس ، أو يتردد إليها صحّ نَذْره، ولزمه ذلك، وإن قصد به الإيقاد على القبر، ولو مع قصد التنوير على الناس، فلا يصح نذره.
وإن قصد به تعظيم البقعة، أو القبر، أو التقرّب إلى مَن دُفن فيها، أو نسبت إليه، فهذا نذر باطل غير منعقد.
النذر المطلق لا يتحدد بوقت :
إذا كان النذر مطلقاً عن تحديد الزمان، فإن وجوبه يكون من نوع الواجب الموسّع، أي فللناذر أن يتأخر في الوفاء بنذره ما دامت الفرصة سانحة له ، ولم يغلب على ظنه أن التراخي سيحول دون قدرته على الوفاء بالنذر.
إلا أن يسنّ تعجيل الوفاء بالنذر، وإن كانت الفرصة لا تزال سانحة ومتّسعة، وذلك مسارعة إلى براءة ذمته من النذر. أما إذا كان النذر مقيداً بزمن مخصوص، وجب التقيد بذلك الزمن، فإن أخّر الوفاء به عن ذلك الزمن بدون عذر أثم، ووجب عليه القضاء، وإن أخّر لعذر، لم يأثم، ووجب عليه القضاء أيضاً في أيّ فرصة ممكنة.
والله تعالى اعلم.
ابا محمد اسحاق حمدان- عدد المساهمات : 918
رايك في الموضوع يهمنا : 0
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 12:57 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» الاخ من الرضاع
أمس في 1:55 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» كيف وصل القرآن الكريم إلينا ؟
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:07 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» شرح كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى ، كتاب التيمم
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:55 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» لماذا يطلق على إيران بالصفوية
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:56 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» شرح كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى ، كتاب التيمم2
الخميس أكتوبر 24, 2024 3:07 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» العصا تنقلب الى مصباح منير
الخميس أكتوبر 24, 2024 12:51 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» أبو نواس ، يغفر الله تعالى الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر
الأربعاء أكتوبر 23, 2024 1:45 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» قصة بشار بن برد مع الحمار
الثلاثاء أكتوبر 22, 2024 1:56 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» الوصية حرام بهذه الطريقة
السبت أكتوبر 19, 2024 10:03 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» القرآن يتحدى الذكاء الاصطناعي
الأربعاء أكتوبر 16, 2024 2:30 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» شرح كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى ، كتاب التيمم
الإثنين أكتوبر 14, 2024 1:10 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» حتى الكافر انتفع بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإثنين سبتمبر 09, 2024 12:57 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» تفسير قول الله تعالى ( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ )
الثلاثاء أغسطس 13, 2024 12:24 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» الايام الماضية والسابقة أين ذهبت
الإثنين يوليو 29, 2024 10:28 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان