بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
قصة اصحاب الكهف
صفحة 1 من اصل 1
ابا محمد اسحاق حمدان- عدد المساهمات : 918
رايك في الموضوع يهمنا : 0
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
رد: قصة اصحاب الكهف
تبييض اصحاب الكهف
{أَمْ حَسِبْتَ} {أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} يخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، لَيْسَ أَمْرُ اصحاب الكهف و الرقيم عَجِيبًا بمنظور قُدْرَتِنَا وَسُلْطَانِنَا، فَإِنَّ خلْق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَسْخِيرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَغَيْرَها من الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ اعظم و اعجب
وَأَمَّا "الْكَهْفُ" فَهُوَ: الْغَارُ فِي الْجَبَلِ، وَهُوَ الَّذِي لَجَأَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ الْمَذْكُورُونَ.
. وَأَمَّا "الرَّقِيمُ" اخلفو فيه فَقيل: هُوَ اسم وَادٍ.وقيل اسم الْقَرْيَةُ ، وقيل اسم الْجَبَلُ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ
واقرب الاقوال للصحة هو لَوْحٌ مِنْ حِجَارَةٍ، كَتَبُوا فِيهِ قِصَصَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ثُمَّ وَضَعُوهُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ.
حَيْثُ قَالَ الواحدي: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِن الْيَهُود اجْتَمعُوا فَقَالُوا: نسْأَل مُحَمَّدًا عَن الرّوح، وَعَن فتية فقدوا فِي أول الزَّمَان، وَعَن رجل بلغ مشرق الشَّمْس وَمَغْرِبهَا، فَإِن أجَاب فِي ذَلِك كُله فَلَيْسَ بِنَبِي وَإِن لم يجب فِي ذَلِك كُله فَلَيْسَ بِنَبِي، وَإِن أجَاب عَن بعض وَأمْسك عَن بعض فَهُوَ نَبِي فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَأنْزل الله تَعَالَى فِي شَأْن الْفتية: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف} (الْكَهْف: 9) إِلَى آخر الْقِصَّة. وَأنزل فِي شَأْن الرجل الَّذِي بلغ مشرق الأَرْض وَمَغْرِبهَا: {ويسألونك عَن ذِي القرنين} (الْكَهْف: 83) إِلَى آخر الْقِصَّة، وَأنزل فِي الرّوح قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} (الْإِسْرَاء: 85)
كَان اصحاب الكهف مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِ الرُّومِ وَسَادَتِهِمْ، وفي ذات يوم كان عند قومهم عيد يجتمعون فيه كل سنة ،
وَكَانُ قومهم يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالطَّوَاغِيتَ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا، وَكَانَ لَهُمْ مَلِكٌ جَبَّارٌ عَنِيدٌ يُقَالُ لَهُ: "دَقْيَانُوسُ"، وَكَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.
وقيل انهم كانو بعد نبي الله عيسى عليه السلام وقيل قبله وكانو يعبدون الله على التوحيد
فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ لِعيدهم ذَلِكَ، فخَرَجَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ مَعَ آبَائِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، وَنَظَرُوا إِلَى مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُمْ ، عَرَفُوا (7) أَنَّ هَذَا الَّذِي يَصْنَعُهُ قَوْمُهُمْ مِنَ السُّجُودِ لِأَصْنَامِهِمْ وَالذَّبْحِ لَهَا، لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَبتعد عِنْ قَوْمِهِ، وَيذهب الى نَاحِيَةً بعيدة عنهم لكي لا يسمع و يرى ما يصنعون من الكفر. فَكَانَ (2) أَوَّلُ مَنْ جَلَسَ مِنْهُمْ [وَحْدَهُ] (3) أَحَدَهُمْ، جَلَسَ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ عِنْدَهُ، وَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، وَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، وَجَاءَ الْآخَرُ، وَجَاءَ الْآخَرُ، وَجَاءَ الْآخَرُ، وَلَا يَعْرِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْآخَرَ، لا يعرفون بعض وَإِنَّمَا جَمَعَهُمْ هُنَاكَ الَّذِي جَمَعَ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ،
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدة، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" (4) . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ (5) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ (6) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (7) .
وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: الْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ.
جلسو مع بعض وكل واحد مِنْهُمْ يَكْتُمُ مَا هُوَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِهِ، خَوْفًا مِنْهُمْ، وَهو لَا يَدْرِي أَنَّهُمْ مِثْلُهُ،
حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمْ: تَعْلَمُونَ -وَاللَّهِ يَا قَوْمِ-إِنَّهُ مَا (9) أَخْرَجَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ وَأَفْرَدَكُمْ عَنْهُمْ، إِلَّا (10) شَيْءٌ فليظهر كل واحد منكم بِأَمْرِهِ. فَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي [وَاللَّهِ] (11) رَأَيْتُ مَا قَوْمِي عَلَيْهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ [وَحْدَهُ] (12) وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ هُوَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ: السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا وَاللَّهِ وَقَعَ لِي كَذَلِكَ. وَقَالَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، حَتَّى تَوَافَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً وَإِخْوَانَ صِدْقٍ، فَاتَّخَذُوا لَهُمْ مَعْبَدًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ، وبعد مدة َاكتشف قومهم امرهم ، فَوَشَوْا بِأَمْرِهِمْ إِلَى الملك، فَأحْضَرَهُمْ بَيْنَ عنده فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَمْرِهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ (13) فَأَجَابُوهُ بِالْحَقِّ فقالوا {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} ؛ لأنهم لن يقع منهم انهم يعبدون غير الله تعالى
واذا قلنا قولهم سيكون قلونا{لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أَيْ: باطِلا وَكَذِبًا وَبُهْتَانًا.
ثم قالو:{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أَيْ: هَلا أَقَامُوا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ دَلِيلًا وَاضِحًا صَحِيحًا؟! {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}
يَقُولُونَ: بَلْ هُمْ ظَالِمُونَ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ،
ولما دعو المَلِكَه إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، أَبَى عَلَيْهِمْ، وتَهَدّدهم وَتَوَعَّدَهُمْ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ لِبَاسِهِمْ عَنْهُمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ زِينَةِ قَوْمِهِمْ، وأجَّلهم واخرهم لِيَراجعوا أَمْرِهِمْ، لَعَلَّهُمْ رجعون عن دينهم الى دين الاوثان و الاصنام.
وَكَانَ هَذَا مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ فِي تِلْكَ الفترة تَوَصَّلُوا إِلَى الْهَرَبِ مِنْهُ. وَالْفِرَارِ بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ فِي النَّاسِ، أَنْ يَفِرَّ الْعَبْدُ مِنْهُمْ خَوْفًا عَلَى دينه، كما جاء في الْحَدِيثِ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خيرُ مَالِ أَحَدِكُمْ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَغَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْر، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ" (1) فَفِي هَذِهِ الْحَالِ تُشْرَعُ الْعُزْلَةُ عَنِ النَّاسِ، وَلَا تُشْرَعُ فِيمَا عَدَاهَا، لِمَا يَفُوتُ بِهَا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ.
فَلَمَّا وَقَعَ عَزْمُهُمْ عَلَى الذَّهَابِ وَالْهَرَبِ مِنْ قَوْمِهِمْ، اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى لهم ان يأَوَوْا إِلَى الكهف، فَفَقَدَهُمْ قَوْمُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، الْمَلِكُ بعث في طلبهم و البحث عنهم فَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ، وعَمَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَهُمْ لم يجدهم. كَمَا فَعَلَ بِنَبِيِّهِ [مُحَمَّدٍ] (4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ، حِينَ لَجَأَ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الطَّلَبِ، فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِ مَعَ (5) أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى جَزَعَ الصِّدِّيقِ فِي قَوْلِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ (6) لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟ "، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَةِ:40] فَقِصَّةُ هَذَا الْغَارِ أَشْرَفُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ (7) الْكَهْفِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْمَهُمْ ظَفِرُوا بِهِمْ، وَقَفُوا ( عَلَى بَابِ الْغَارِ الَّذِي دَخَلُوهُ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْهُمْ مَنِ الْعُقُوبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِرَدْمِ بَابِهِ عَلَيْهِمْ لِيَهْلَكُوا مَكَانَهُمْ فَفُعِلَ [لَهُمْ] (9) ذَلِكَ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11)
عِبَارَةٌ عَنْ إِلْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى النَّوْمَ عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ مِنْ فَصِيحَاتِ الْقُرْآنِ الَّتِي أَقَرَّتِ الْعَرَبُ بِالْقُصُورِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ. أَيْ مَنَعْنَاهُمْ عَنْ أَنْ يَسْمَعُوا، لِأَنَّ النَّائِمَ إِذَا سَمِعَ انْتَبَهَ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّمْسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَهْفِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) } .
واذا رأيت الشمس في الشروق تزاور {عَن كَهْفِهِمْ} أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم {ذَاتَ اليمين} جهة اليمين {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} تتركهم وتعدل عنهم {ذَاتَ الشمال
وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} في متسع من الكهف بِحَيْثُ لَا تَمَسُّهُمْ الشمس ولا شعاعها ؛ إِذْ لَوْ أَصَابَتْهُمْ لَأَحْرَقَتْ أَبْدَانَهُمْ وَثِيَابَهُمْ
والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم وهم في مُتَّسَع مِنْ الْكَهْف يَنَالهُمْ بَرْد الرِّيح وَنَسِيمهَا
{ذلك مِنْ آيات الله} أي ماصنعه الله بهم من إزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله
و حَيْثُ أَرْشَدَهُمْ تَعَالَى إِلَى هَذَا الْغَارِ الَّذِي جَعَلَهُمْ فِيهِ أَحْيَاءً، وَالشَّمْسُ وَالرِّيحُ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ لِتَبْقَى أَبْدَانُهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) }
ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ بِالنَّوْمِ، لَمْ تَنْطَبِقْ (11) أَعْيُنُهُمْ؛ لكي لا تخرب ، فَإِذَا بَقِيَتْ ظَاهِرَةً لِلْهَوَاءِ كَانَ أَبْقَى لَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الذِّئْبِ أَنَّهُ يَنَامُ فَيُطْبِقُ عَيْنًا وَيَفْتَحُ عَيْنًا، ثُمَّ يَفْتَحُ هَذِهِ وَيُطْبِقُ هذه وهو راقد، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}فهم يُقَلَّبُونَ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ. و لَوْ لَمْ يُقَلَّبُوا (1) لَأَكْلَتْهُمُ الْأَرْضُ.
وَقَوْلُهُ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} الْوَصِيدُ: الْفِنَاءُ.
وقيل التُّرَابُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْفِنَاءِ، وَهُوَ الْبَابُ،
رَبَضَ كَلْبُهُمْ عَلَى الْبَابِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْكِلَابِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْمَهَابَةَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ نَظَرُ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ إِلَّا هَابَهُمْ؛ لِمَا أُلْبِسُوا مِنَ الْمَهَابَةِ وَالذُّعْرِ، لِئَلَّا يَدْنُوَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا تَمَسَّهُمْ (1) يَدُ لَامِسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَتَنْقَضِيَ رَقْدَتُهُمُ الَّتِي شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحُجَّةِ وَالْحِكْمَةِ (2) الْبَالِغَةِ، وَالرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ.
وَشَمَلَتْ كَلْبَهُمْ بَرَكَتُهُمْ، فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. وَهَذَا فَائِدَةُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ؛ فَإِنَّهُ صَارَ لِهَذَا الْكَلْبِ ذِكْرٌ وَخَبَرٌ وَشَأْنٌ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ لِأَحَدِهِمْ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ
سَمِعْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: كَانَ اسْمَ كَبْشِ إِبْرَاهِيمَ: جَرِيرٌ وَاسْمَ هُدْهُدِ سُلَيْمَانَ: عَنْقَز، وَاسْمَ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ: قِطْمِيرٌ، حِمْرَانَ. وَاسْمَ عِجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي عَبَدُوهُ: بَهْمُوتُ. وَهَبَطَ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْهِنْدِ، وَحَوَّاءُ بِجُدَّةَ، وَإِبْلِيسُ بِدَسْتَ بَيْسَانَ، وَالْحَيَّةُ بِأَصْبَهَانَ (7)
{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) }
يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَرْقَدْنَاهُمْ بَعَثْنَاهُمْ صَحِيحَةً أَبْدَانُهُمْ وَأَشْعَارُهُمْ وَأَبْشَارُهُمْ، لَمْ يَفْقِدُوا مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَهَيْئَاتِهِمْ شَيْئًا، وَذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ؛ وَلِهَذَا تَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ: {كَمْ لَبِثْتُمْ} ؟ أَيْ: كَمْ رَقَدْتُمْ؟ {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} كَانَ دُخُولُهُمْ إِلَى الْكَهْفِ فِي أَوَّلِ نَهَارٍ، وَاسْتِيقَاظُهُمْ (3) كَانَ فِي آخِرِ نَهَارٍ؛ وَلِهَذَا اسْتَدْرَكُوا فَقَالُوا: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} أَيْ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِكُمْ، وَكَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُمْ نَوْعُ تَرَدّد فِي كَثْرَةِ نَوْمِهِمْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ عَدَلُوا إِلَى الْأَهَمِّ فِي أَمْرِهِمْ إِذْ ذَاكَ (4) وَهُوَ احْتِيَاجُهُمْ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَقَالُوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} بالفِضَّة التي عندكم.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ دَرَاهِمَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، فَتَصَدَّقُوا مِنْهَا وَبَقِيَ مِنْهَا
{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} أَيْ: أَطْيَبُ طَعَامًا،
وَقَوْلُهُ {وَلْيَتَلَطَّفْ} أَيْ: فِي خُرُوجِهِ وَذَهَابِهِ، وَشِرَائِهِ وَإِيَابِهِ
{وَلا يُشْعِرَنَّ} أَيْ: وَلَا يُعْلِمَنَّ {بِكُمْ أَحَدًا إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} أَيْ: إِنْ عَلِمُوا بِمَكَانِكُمْ، {يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} يَعْنُونَ أَصْحَابَ الملك، يَخَافُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَكَانِهِمْ، لأهم ان اطلعوا على مكانهم فلن يكلو عن تعذيبهم ويتفننوا بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ إِلَى أَنْ يُعِيدُوهُمْ (9) فِي ملتهم التي هم عليها {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} .
{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أَيْ: أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمُ النَّاسَ {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا}
أَنَّهُ بعد تلك المدة من السنين ،كَانَ قَدْ حَصَلَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَكٌّ فِي الْبَعْثِ وَفِي أَمْرِ الْقِيَامَةِ. و كَانَت مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَدْ قَالُوا: تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ وَلَا تُبْعَثُ الْأَجْسَادُ. فَبَعَثَ اللَّهُ أَهْلَ الْكَهْفِ حُجَّةً (1) وَدَلَالَةً وَآيَةً عَلَى ذَلِكَ.
ولما اراد الله ان يدل الناس عليهم
خرج احدهم لشراء شيء يأكلونه من المدينة
تَنَكَّرَ لكي لا يعرفه الناس
وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِهَا، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَبَدَّلُوا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَأُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَتَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا
فَجَعَلَ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْ مَعَالِمِ الْبَلَدِ الَّتِي يَعْرِفُهَا، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا، لَا (3) خَوَاصِّهَا وَلَا عَوَامِّهَا، فَجَعَلَ يَتَحَيَّرُ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ: لَعَلَّ بِي جُنُونًا أَوْ مَسًّا، أَوْ أَنَا حَالِمٌ، ثم يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا بِي شَيْءٌ (4) مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ عَهْدِي بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ عَشِيَّةَ أَمْسٍ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ. ثُمَّ قَالَ:الأفضل ان اتعجل بالخروج من هنا. ثُمَّ ذهب إِلَى رَجُلٍ مِمَّنْ يَبِيعُ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَا مَعَهُ مِنَ المال ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِهَا طَعَامًا. فَلَمَّا رَآهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْكَرَهَا ولم يعرف من اي عملة هذه ، فَدَفَعَهَا إِلَى جَارِهِ، وَجَعَلُوا يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: لَعَلَّ هَذَا قَدْ وَجَدَ كَنْزًا. فَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْرِهِ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذا المال ؟ لَعَلَّهُ وَجَدَهَا مِنْ كَنْزٍ. وَمَنْ أَنْتَ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ (5) وَعَهْدِي بِهَا عَشِيَّةَ أَمْسٍ وَفِيهَا دَقْيَانُوسُ اسم الملك الظالم. فَنَسَبُوهُ إِلَى الْجُنُونِ، فَحَمَلُوهُ إِلَى وَلِيِّ أَمْرِهِمْ ، وَكَانَ مُسْلِمًا فِيمَا قِيلَ، وَاسْمُهُ تِيدُوسِيسُ (2) ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ وَعَنْ أَمْرِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي حَالِهِ، وَمَا هُوَ فِيهِ. فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ قَامُوا مَعَهُ إِلَى الْكَهْفِ، فلما وصلوا إِلَى الْكَهْفِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَدخلوا عليهم اولا لأهيء الأمر لأصحابي
إِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ ذَهَب الله باقوام و أتى بآخرين ،وان رأوكم معي سيصيبهم الفزع و الروع
قيل عندما دخل عليه قبظ الله ارواحهم كلهم في وقت واحد
وَيُقَالُ: بَلْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ، وَرَأَوْهُمْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَلِكُ وَاعْتَنَقَهُمْ فَفَرِحُوا بِهِ وَآنَسُوهُ بِالْكَلَامِ، ثُمَّ وَدَّعُوهُ (3) وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَعَادُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَتَوَفَّاهُمُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} أَيْ: سُدُّوا عَلَيْهِمْ بَابَ كَهْفِهِمْ، وَذَرُوهُمْ عَلَى حَالِهِمْ {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}
حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي الْقَائِلِينَ (6) ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْهُمْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (7)
{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) }
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي عِدَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فَحَكَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِرَابِعٍ، وَلِمَا ضَعَّف الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أَيْ: قَوْلًا بِلَا عِلْم، ثُمَّ حَكَى الثَّالِثَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَوْ قَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَقَوْلُهُ: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} أَيْ: مِنَ النَّاسِ. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، كَانُوا سَبْعَةً.
{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ: سَهْلًا هَيِّنًا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي مَعْرِفَةِ (9) ذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَبِيرُ (10) فَائِدَةٍ {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أَيْ: فَإِنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا مَا يَقُولُونَهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ،
{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا }
هَذَا خبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِقْدَارِ مَا لَبِثَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، مُنْذُ أَرْقَدَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَنْ بَعَثَهُمْ وَأَعْثَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِقْدَارُهُ ثَلَاثَمِائَةِ [سَنَةٍ] (6) وَتِسْعَ سِنِينَ بِالْهِلَالِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ بِالشَّمْسِيَّةِ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنِ كُلِّ مِائَةِ [سَنَةٍ] (7) بِالْقَمَرِيَّةِ إِلَى الشَّمْسِيَّةِ ثَلَاثُ سِنِينَ؛ فَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ: {وَازْدَادُوا تِسْعًا}
{أَمْ حَسِبْتَ} {أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} يخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، لَيْسَ أَمْرُ اصحاب الكهف و الرقيم عَجِيبًا بمنظور قُدْرَتِنَا وَسُلْطَانِنَا، فَإِنَّ خلْق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَسْخِيرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَغَيْرَها من الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ اعظم و اعجب
وَأَمَّا "الْكَهْفُ" فَهُوَ: الْغَارُ فِي الْجَبَلِ، وَهُوَ الَّذِي لَجَأَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ الْمَذْكُورُونَ.
. وَأَمَّا "الرَّقِيمُ" اخلفو فيه فَقيل: هُوَ اسم وَادٍ.وقيل اسم الْقَرْيَةُ ، وقيل اسم الْجَبَلُ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ
واقرب الاقوال للصحة هو لَوْحٌ مِنْ حِجَارَةٍ، كَتَبُوا فِيهِ قِصَصَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ثُمَّ وَضَعُوهُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ.
حَيْثُ قَالَ الواحدي: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِن الْيَهُود اجْتَمعُوا فَقَالُوا: نسْأَل مُحَمَّدًا عَن الرّوح، وَعَن فتية فقدوا فِي أول الزَّمَان، وَعَن رجل بلغ مشرق الشَّمْس وَمَغْرِبهَا، فَإِن أجَاب فِي ذَلِك كُله فَلَيْسَ بِنَبِي وَإِن لم يجب فِي ذَلِك كُله فَلَيْسَ بِنَبِي، وَإِن أجَاب عَن بعض وَأمْسك عَن بعض فَهُوَ نَبِي فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَأنْزل الله تَعَالَى فِي شَأْن الْفتية: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف} (الْكَهْف: 9) إِلَى آخر الْقِصَّة. وَأنزل فِي شَأْن الرجل الَّذِي بلغ مشرق الأَرْض وَمَغْرِبهَا: {ويسألونك عَن ذِي القرنين} (الْكَهْف: 83) إِلَى آخر الْقِصَّة، وَأنزل فِي الرّوح قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} (الْإِسْرَاء: 85)
كَان اصحاب الكهف مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِ الرُّومِ وَسَادَتِهِمْ، وفي ذات يوم كان عند قومهم عيد يجتمعون فيه كل سنة ،
وَكَانُ قومهم يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالطَّوَاغِيتَ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا، وَكَانَ لَهُمْ مَلِكٌ جَبَّارٌ عَنِيدٌ يُقَالُ لَهُ: "دَقْيَانُوسُ"، وَكَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.
وقيل انهم كانو بعد نبي الله عيسى عليه السلام وقيل قبله وكانو يعبدون الله على التوحيد
فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ لِعيدهم ذَلِكَ، فخَرَجَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ مَعَ آبَائِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، وَنَظَرُوا إِلَى مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُمْ ، عَرَفُوا (7) أَنَّ هَذَا الَّذِي يَصْنَعُهُ قَوْمُهُمْ مِنَ السُّجُودِ لِأَصْنَامِهِمْ وَالذَّبْحِ لَهَا، لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَبتعد عِنْ قَوْمِهِ، وَيذهب الى نَاحِيَةً بعيدة عنهم لكي لا يسمع و يرى ما يصنعون من الكفر. فَكَانَ (2) أَوَّلُ مَنْ جَلَسَ مِنْهُمْ [وَحْدَهُ] (3) أَحَدَهُمْ، جَلَسَ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ عِنْدَهُ، وَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، وَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، وَجَاءَ الْآخَرُ، وَجَاءَ الْآخَرُ، وَجَاءَ الْآخَرُ، وَلَا يَعْرِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْآخَرَ، لا يعرفون بعض وَإِنَّمَا جَمَعَهُمْ هُنَاكَ الَّذِي جَمَعَ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ،
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدة، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" (4) . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ (5) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ (6) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (7) .
وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: الْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ.
جلسو مع بعض وكل واحد مِنْهُمْ يَكْتُمُ مَا هُوَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِهِ، خَوْفًا مِنْهُمْ، وَهو لَا يَدْرِي أَنَّهُمْ مِثْلُهُ،
حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمْ: تَعْلَمُونَ -وَاللَّهِ يَا قَوْمِ-إِنَّهُ مَا (9) أَخْرَجَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ وَأَفْرَدَكُمْ عَنْهُمْ، إِلَّا (10) شَيْءٌ فليظهر كل واحد منكم بِأَمْرِهِ. فَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي [وَاللَّهِ] (11) رَأَيْتُ مَا قَوْمِي عَلَيْهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ [وَحْدَهُ] (12) وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ هُوَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ: السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا وَاللَّهِ وَقَعَ لِي كَذَلِكَ. وَقَالَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، حَتَّى تَوَافَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً وَإِخْوَانَ صِدْقٍ، فَاتَّخَذُوا لَهُمْ مَعْبَدًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فِيهِ، وبعد مدة َاكتشف قومهم امرهم ، فَوَشَوْا بِأَمْرِهِمْ إِلَى الملك، فَأحْضَرَهُمْ بَيْنَ عنده فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَمْرِهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ (13) فَأَجَابُوهُ بِالْحَقِّ فقالوا {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} ؛ لأنهم لن يقع منهم انهم يعبدون غير الله تعالى
واذا قلنا قولهم سيكون قلونا{لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أَيْ: باطِلا وَكَذِبًا وَبُهْتَانًا.
ثم قالو:{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أَيْ: هَلا أَقَامُوا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ دَلِيلًا وَاضِحًا صَحِيحًا؟! {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}
يَقُولُونَ: بَلْ هُمْ ظَالِمُونَ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ،
ولما دعو المَلِكَه إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، أَبَى عَلَيْهِمْ، وتَهَدّدهم وَتَوَعَّدَهُمْ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ لِبَاسِهِمْ عَنْهُمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ زِينَةِ قَوْمِهِمْ، وأجَّلهم واخرهم لِيَراجعوا أَمْرِهِمْ، لَعَلَّهُمْ رجعون عن دينهم الى دين الاوثان و الاصنام.
وَكَانَ هَذَا مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ فِي تِلْكَ الفترة تَوَصَّلُوا إِلَى الْهَرَبِ مِنْهُ. وَالْفِرَارِ بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ فِي النَّاسِ، أَنْ يَفِرَّ الْعَبْدُ مِنْهُمْ خَوْفًا عَلَى دينه، كما جاء في الْحَدِيثِ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خيرُ مَالِ أَحَدِكُمْ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَغَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْر، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ" (1) فَفِي هَذِهِ الْحَالِ تُشْرَعُ الْعُزْلَةُ عَنِ النَّاسِ، وَلَا تُشْرَعُ فِيمَا عَدَاهَا، لِمَا يَفُوتُ بِهَا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ.
فَلَمَّا وَقَعَ عَزْمُهُمْ عَلَى الذَّهَابِ وَالْهَرَبِ مِنْ قَوْمِهِمْ، اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى لهم ان يأَوَوْا إِلَى الكهف، فَفَقَدَهُمْ قَوْمُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، الْمَلِكُ بعث في طلبهم و البحث عنهم فَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ، وعَمَّى اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَهُمْ لم يجدهم. كَمَا فَعَلَ بِنَبِيِّهِ [مُحَمَّدٍ] (4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ، حِينَ لَجَأَ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الطَّلَبِ، فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِ مَعَ (5) أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى جَزَعَ الصِّدِّيقِ فِي قَوْلِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ (6) لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟ "، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَةِ:40] فَقِصَّةُ هَذَا الْغَارِ أَشْرَفُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ (7) الْكَهْفِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْمَهُمْ ظَفِرُوا بِهِمْ، وَقَفُوا ( عَلَى بَابِ الْغَارِ الَّذِي دَخَلُوهُ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْهُمْ مَنِ الْعُقُوبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ. فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِرَدْمِ بَابِهِ عَلَيْهِمْ لِيَهْلَكُوا مَكَانَهُمْ فَفُعِلَ [لَهُمْ] (9) ذَلِكَ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11)
عِبَارَةٌ عَنْ إِلْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى النَّوْمَ عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ مِنْ فَصِيحَاتِ الْقُرْآنِ الَّتِي أَقَرَّتِ الْعَرَبُ بِالْقُصُورِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ. أَيْ مَنَعْنَاهُمْ عَنْ أَنْ يَسْمَعُوا، لِأَنَّ النَّائِمَ إِذَا سَمِعَ انْتَبَهَ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّمْسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَهْفِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) } .
واذا رأيت الشمس في الشروق تزاور {عَن كَهْفِهِمْ} أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم {ذَاتَ اليمين} جهة اليمين {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} تتركهم وتعدل عنهم {ذَاتَ الشمال
وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} في متسع من الكهف بِحَيْثُ لَا تَمَسُّهُمْ الشمس ولا شعاعها ؛ إِذْ لَوْ أَصَابَتْهُمْ لَأَحْرَقَتْ أَبْدَانَهُمْ وَثِيَابَهُمْ
والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم وهم في مُتَّسَع مِنْ الْكَهْف يَنَالهُمْ بَرْد الرِّيح وَنَسِيمهَا
{ذلك مِنْ آيات الله} أي ماصنعه الله بهم من إزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله
و حَيْثُ أَرْشَدَهُمْ تَعَالَى إِلَى هَذَا الْغَارِ الَّذِي جَعَلَهُمْ فِيهِ أَحْيَاءً، وَالشَّمْسُ وَالرِّيحُ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهِ لِتَبْقَى أَبْدَانُهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) }
ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ بِالنَّوْمِ، لَمْ تَنْطَبِقْ (11) أَعْيُنُهُمْ؛ لكي لا تخرب ، فَإِذَا بَقِيَتْ ظَاهِرَةً لِلْهَوَاءِ كَانَ أَبْقَى لَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الذِّئْبِ أَنَّهُ يَنَامُ فَيُطْبِقُ عَيْنًا وَيَفْتَحُ عَيْنًا، ثُمَّ يَفْتَحُ هَذِهِ وَيُطْبِقُ هذه وهو راقد، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}فهم يُقَلَّبُونَ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ. و لَوْ لَمْ يُقَلَّبُوا (1) لَأَكْلَتْهُمُ الْأَرْضُ.
وَقَوْلُهُ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} الْوَصِيدُ: الْفِنَاءُ.
وقيل التُّرَابُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْفِنَاءِ، وَهُوَ الْبَابُ،
رَبَضَ كَلْبُهُمْ عَلَى الْبَابِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْكِلَابِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْمَهَابَةَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ نَظَرُ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ إِلَّا هَابَهُمْ؛ لِمَا أُلْبِسُوا مِنَ الْمَهَابَةِ وَالذُّعْرِ، لِئَلَّا يَدْنُوَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا تَمَسَّهُمْ (1) يَدُ لَامِسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَتَنْقَضِيَ رَقْدَتُهُمُ الَّتِي شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحُجَّةِ وَالْحِكْمَةِ (2) الْبَالِغَةِ، وَالرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ.
وَشَمَلَتْ كَلْبَهُمْ بَرَكَتُهُمْ، فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. وَهَذَا فَائِدَةُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ؛ فَإِنَّهُ صَارَ لِهَذَا الْكَلْبِ ذِكْرٌ وَخَبَرٌ وَشَأْنٌ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ لِأَحَدِهِمْ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ
سَمِعْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: كَانَ اسْمَ كَبْشِ إِبْرَاهِيمَ: جَرِيرٌ وَاسْمَ هُدْهُدِ سُلَيْمَانَ: عَنْقَز، وَاسْمَ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ: قِطْمِيرٌ، حِمْرَانَ. وَاسْمَ عِجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي عَبَدُوهُ: بَهْمُوتُ. وَهَبَطَ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْهِنْدِ، وَحَوَّاءُ بِجُدَّةَ، وَإِبْلِيسُ بِدَسْتَ بَيْسَانَ، وَالْحَيَّةُ بِأَصْبَهَانَ (7)
{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) }
يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَرْقَدْنَاهُمْ بَعَثْنَاهُمْ صَحِيحَةً أَبْدَانُهُمْ وَأَشْعَارُهُمْ وَأَبْشَارُهُمْ، لَمْ يَفْقِدُوا مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَهَيْئَاتِهِمْ شَيْئًا، وَذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ؛ وَلِهَذَا تَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ: {كَمْ لَبِثْتُمْ} ؟ أَيْ: كَمْ رَقَدْتُمْ؟ {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} كَانَ دُخُولُهُمْ إِلَى الْكَهْفِ فِي أَوَّلِ نَهَارٍ، وَاسْتِيقَاظُهُمْ (3) كَانَ فِي آخِرِ نَهَارٍ؛ وَلِهَذَا اسْتَدْرَكُوا فَقَالُوا: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} أَيْ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِكُمْ، وَكَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُمْ نَوْعُ تَرَدّد فِي كَثْرَةِ نَوْمِهِمْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ عَدَلُوا إِلَى الْأَهَمِّ فِي أَمْرِهِمْ إِذْ ذَاكَ (4) وَهُوَ احْتِيَاجُهُمْ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَقَالُوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} بالفِضَّة التي عندكم.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ دَرَاهِمَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، فَتَصَدَّقُوا مِنْهَا وَبَقِيَ مِنْهَا
{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} أَيْ: أَطْيَبُ طَعَامًا،
وَقَوْلُهُ {وَلْيَتَلَطَّفْ} أَيْ: فِي خُرُوجِهِ وَذَهَابِهِ، وَشِرَائِهِ وَإِيَابِهِ
{وَلا يُشْعِرَنَّ} أَيْ: وَلَا يُعْلِمَنَّ {بِكُمْ أَحَدًا إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} أَيْ: إِنْ عَلِمُوا بِمَكَانِكُمْ، {يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} يَعْنُونَ أَصْحَابَ الملك، يَخَافُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَكَانِهِمْ، لأهم ان اطلعوا على مكانهم فلن يكلو عن تعذيبهم ويتفننوا بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ إِلَى أَنْ يُعِيدُوهُمْ (9) فِي ملتهم التي هم عليها {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} .
{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أَيْ: أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمُ النَّاسَ {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا}
أَنَّهُ بعد تلك المدة من السنين ،كَانَ قَدْ حَصَلَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَكٌّ فِي الْبَعْثِ وَفِي أَمْرِ الْقِيَامَةِ. و كَانَت مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَدْ قَالُوا: تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ وَلَا تُبْعَثُ الْأَجْسَادُ. فَبَعَثَ اللَّهُ أَهْلَ الْكَهْفِ حُجَّةً (1) وَدَلَالَةً وَآيَةً عَلَى ذَلِكَ.
ولما اراد الله ان يدل الناس عليهم
خرج احدهم لشراء شيء يأكلونه من المدينة
تَنَكَّرَ لكي لا يعرفه الناس
وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِهَا، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَبَدَّلُوا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَأُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَتَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا
فَجَعَلَ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْ مَعَالِمِ الْبَلَدِ الَّتِي يَعْرِفُهَا، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا، لَا (3) خَوَاصِّهَا وَلَا عَوَامِّهَا، فَجَعَلَ يَتَحَيَّرُ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ: لَعَلَّ بِي جُنُونًا أَوْ مَسًّا، أَوْ أَنَا حَالِمٌ، ثم يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا بِي شَيْءٌ (4) مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ عَهْدِي بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ عَشِيَّةَ أَمْسٍ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ. ثُمَّ قَالَ:الأفضل ان اتعجل بالخروج من هنا. ثُمَّ ذهب إِلَى رَجُلٍ مِمَّنْ يَبِيعُ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَا مَعَهُ مِنَ المال ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِهَا طَعَامًا. فَلَمَّا رَآهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْكَرَهَا ولم يعرف من اي عملة هذه ، فَدَفَعَهَا إِلَى جَارِهِ، وَجَعَلُوا يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَقُولُونَ: لَعَلَّ هَذَا قَدْ وَجَدَ كَنْزًا. فَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْرِهِ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذا المال ؟ لَعَلَّهُ وَجَدَهَا مِنْ كَنْزٍ. وَمَنْ أَنْتَ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ (5) وَعَهْدِي بِهَا عَشِيَّةَ أَمْسٍ وَفِيهَا دَقْيَانُوسُ اسم الملك الظالم. فَنَسَبُوهُ إِلَى الْجُنُونِ، فَحَمَلُوهُ إِلَى وَلِيِّ أَمْرِهِمْ ، وَكَانَ مُسْلِمًا فِيمَا قِيلَ، وَاسْمُهُ تِيدُوسِيسُ (2) ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ وَعَنْ أَمْرِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي حَالِهِ، وَمَا هُوَ فِيهِ. فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ قَامُوا مَعَهُ إِلَى الْكَهْفِ، فلما وصلوا إِلَى الْكَهْفِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَدخلوا عليهم اولا لأهيء الأمر لأصحابي
إِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ ذَهَب الله باقوام و أتى بآخرين ،وان رأوكم معي سيصيبهم الفزع و الروع
قيل عندما دخل عليه قبظ الله ارواحهم كلهم في وقت واحد
وَيُقَالُ: بَلْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ، وَرَأَوْهُمْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَلِكُ وَاعْتَنَقَهُمْ فَفَرِحُوا بِهِ وَآنَسُوهُ بِالْكَلَامِ، ثُمَّ وَدَّعُوهُ (3) وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَعَادُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَتَوَفَّاهُمُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} أَيْ: سُدُّوا عَلَيْهِمْ بَابَ كَهْفِهِمْ، وَذَرُوهُمْ عَلَى حَالِهِمْ {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}
حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي الْقَائِلِينَ (6) ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْهُمْ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (7)
{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) }
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي عِدَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فَحَكَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِرَابِعٍ، وَلِمَا ضَعَّف الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أَيْ: قَوْلًا بِلَا عِلْم، ثُمَّ حَكَى الثَّالِثَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَوْ قَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَقَوْلُهُ: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} أَيْ: مِنَ النَّاسِ. قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، كَانُوا سَبْعَةً.
{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ: سَهْلًا هَيِّنًا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي مَعْرِفَةِ (9) ذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَبِيرُ (10) فَائِدَةٍ {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أَيْ: فَإِنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا مَا يَقُولُونَهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ،
{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا }
هَذَا خبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِقْدَارِ مَا لَبِثَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، مُنْذُ أَرْقَدَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَنْ بَعَثَهُمْ وَأَعْثَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِقْدَارُهُ ثَلَاثَمِائَةِ [سَنَةٍ] (6) وَتِسْعَ سِنِينَ بِالْهِلَالِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ بِالشَّمْسِيَّةِ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنِ كُلِّ مِائَةِ [سَنَةٍ] (7) بِالْقَمَرِيَّةِ إِلَى الشَّمْسِيَّةِ ثَلَاثُ سِنِينَ؛ فَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ: {وَازْدَادُوا تِسْعًا}
ابا محمد اسحاق حمدان- عدد المساهمات : 918
رايك في الموضوع يهمنا : 0
تاريخ التسجيل : 30/01/2010
مواضيع مماثلة
» اصحاب الجنة - انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة اذ اقسموا - سورة القلم
» قصة اصحاب الفيل
» انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة , سورة القلم
» قصة اصحاب الفيل
» انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة , سورة القلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 12:57 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» الاخ من الرضاع
أمس في 1:55 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» كيف وصل القرآن الكريم إلينا ؟
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 3:07 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» شرح كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى ، كتاب التيمم
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:55 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» لماذا يطلق على إيران بالصفوية
الإثنين أكتوبر 28, 2024 1:56 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» شرح كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى ، كتاب التيمم2
الخميس أكتوبر 24, 2024 3:07 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» العصا تنقلب الى مصباح منير
الخميس أكتوبر 24, 2024 12:51 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» أبو نواس ، يغفر الله تعالى الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر
الأربعاء أكتوبر 23, 2024 1:45 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» قصة بشار بن برد مع الحمار
الثلاثاء أكتوبر 22, 2024 1:56 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» الوصية حرام بهذه الطريقة
السبت أكتوبر 19, 2024 10:03 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» القرآن يتحدى الذكاء الاصطناعي
الأربعاء أكتوبر 16, 2024 2:30 am من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» شرح كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله تعالى ، كتاب التيمم
الإثنين أكتوبر 14, 2024 1:10 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» حتى الكافر انتفع بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإثنين سبتمبر 09, 2024 12:57 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» تفسير قول الله تعالى ( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ )
الثلاثاء أغسطس 13, 2024 12:24 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان
» الايام الماضية والسابقة أين ذهبت
الإثنين يوليو 29, 2024 10:28 pm من طرف ابا محمد اسحاق حمدان